ضرب أصحاب النبي من ذلك أعظم المثل: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))[آل عمران:173] فليس هناك أي خوف: ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:175]، فالمؤمن بالله تبارك وتعالى لا يخاف إلا منه تبارك وتعالى، ومن حقق التوحيد لا يخاف إلا منه تبارك وتعالى.
ولهذا لا يخاف من الكفر وأممه وأسلحته وقوته وعدده وعدته أبداً, ولا يخاف من ذي هيبة أو شأن أن يقول له: اتق الله! أبداً، ولا يخاف من صاحب معصية أو فجور إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكما أمره الله بالحكمة وبالموعظة الحسنة.
فهذا في الدنيا وفي الآخرة: ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّه))[الأعراف:43] فلا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته ابتداءً إلا من حقق التوحيد كاملاً غير منقوص، ومن كانت عليه من المعاصي ومن الكبائر ما يستحق بها دخول النار ولم تشمله رحمة الله تبارك وتعالى بداية، فإن مصيره إلى الجنة -بإذن الله- لِمَا حقق من التوحيد؛ لأن الله تبارك وتعالى قد تأذن لمن لقيه لا يشرك به شيئاً أن يدخله الجنة، وإن زنا وإن سرق.
فإذا حقق الإنسان التوحيد فلا بد أن يدخل الجنة ولو بعد حين، ولا يعني ذلك أن من ارتكب هذه المنكرات لا يدخل النار -عافانا الله تبارك وتعالى وإياكم من النار- لكن يعني: أن مصيره -بإذن الله- إلى الأمن وإلى الجنة، وإن عذب ما عذب قبل ذلك، وإن خوف بما خوف، فتبين أن أعظم أمن يتحقق للإنسان هو تحقيق التوحيد، أي: طمأنينة الإيمان التي تكون بتوحيد الله.
وانظروا إلى حال الذين لا يحققون توحيد الله تبارك وتعالى، كيف يعيشون في خوف، ولا يشعر بذلك الخوف -ولله الحمد- الذين تربوا على التوحيد وفهموه، وانظروا إلى حال الذين يتعلقون بالشياطين، والذين يعبدون الأولياء، والذين يعبدون السحرة والكهان والعرافين، والذين يتعلقون بالدجالين وأمثالهم يعيشون في خوف دائم وفي رعب وفي قلق نتيجة عدم تحقيقهم للتوحيد، فالإنسان منهم يخاف إذا عمل أي عمل، فهو يتكلم هو وصديقه في البيت وليس معهما أحد، ويقول له صاحبه: يا أخي اتق الله، ولا تذهب إلى الدجال ولا إلى الساحر ولا إلى الكاهن فهو إنما يضحك عليك، ويسلب مالك، وينهب عقيدتك، فيقول: اسكت، لا يسمعك الولي، وكأنه حاضر! فجعله رباً من دون الله تبارك وتعالى، وخاف منه وكأنه حاضر معه في ذلك المجلس، وقد يكون بينهما مئات الأميال.
وهذا الخوف وهذا الرعب الذي يلقى في القلوب إنما هو نتيجة عدم تحقيق توحيد الله تبارك وتعالى.
وأما من وحد الله تبارك وتعالى، ومن علم أن الله تبارك وتعالى هو وحده المعبود لا سواه، وهو وحده المدعو لا سواه، وهو وحده الذي يملك الضر والنفع، ولا أحد من العالمين يملك ذلك، فإنه لا يخاف إلا من الله تبارك وتعالى في سره وفي علانيته.
فهذا هو أعظم ما يتحقق من أنواع الأمن بالإيمان بالله وبتوحيد الله تبارك وتعالى.